يتحدثون عنه بالهمس كلمّا مرّ جانبهم، ينظرون إليه بسخرية، يسمعهم يقولون عنه "الكوسا المحشوّة"، "البرميل" و"الدبّ الضخم"، وهذه ليست سوى بعض الكلمات التي يستخدمها زملاؤه في المدرسة لوصفهم له. يكره سامر إبن الـ10 سنوات "لقب الكوسا" أكثر من أي شيء حتى أنه لا يأكلها. يحب أصدقاءه حسب قوله ومدرسته أيضا، لكنه يشعر أحيانًا بأنه لا يريد أن يكون هناك، فقط لتجنّب عناء التعرّض للتنمّر.
يعرّف "التنمّر" على انه تصرفات متكرّرة للتحرّش بالضحيّة أو تعريضها للاستبعاد الاجتماعي، ويشمل التنمّر أشكالا مختلفة من العنف الجسدي او النفسي او اللفظي.
من لا يعرف حجم الضرر الذي تسببه هذه الحالة على الأطفال، لن يتمكن من تحديد أهميتها، لذلك وبعد أن وصل لجمعية "إنقاذ الطفل" 123 حالة العام الماضي فقط، قرّرت سبر أغوار هذا الملف، والتعاون مع المعنيين لإعداد دراسة عنه.
"بين كل طفلين، طفل يتعرّض للتنمّر"، تقول مديرة الإعلام والحملات في جمعيّة إنقاذ الطفل الدولية علياء عواضة، مشيرة في حديث لـ"النشرة" الى أن هذه النسبة المخيفة كانت السبب الأساسي لتحفيزنا على تنظيم حملة "التنمر مش مزحة"، والتي تهدف إلى رفع الوعي بين مختلف المجتمعات في لبنان حول هذه المشكلة ومخاطرها، الأمر الذي سيساعد الكبار خاصةً على تقديم أفضل دعم ممكن للأطفال.
ووفقاً لتقرير دراسة "التنمّر في لبنان"، والتي شملت 2033 شخصا، ينقسمون بين أطفال من عمر 9 الى 12، أطفال من عمر 13 الى 18، ومقدمي الرعاية للأطفال، فقد تعرض ما يصل إلى 42 بالمئة من الأطفال للركل أو الضغط، وأشكال أخرى من الاستقواء البدني، في حين أن 30 بالمئة منهم أُسيءَ إليهم لفظياً أو سمعوا ملاحظات مسيئة عن مظهرهم أو جنسهم أو وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو عرقهم أو دينهم. لا يختلف الذكور عن الإناث، فالكل معرّض للتنمّر، فما هي تداعيات هذا الفعل على الذين يتعرضون له؟.
يكون التنمّر عادة لفظيًّا، على علاقة بشكل الطفل، أو طريقة تكلّمه، أو جنسيته ولونه، أو وضعه الاجتماعي، اذ أظهرت الدراسة أن طالبة تتعرّض للتنمّر والاستهزاء بها بسبب عدم قدرتها على "التنويع" في ملابسها يوميًّا. كذلك يمكن ان يصل الأمر للتعرض الجسدي للأطفال.
تكشف عواضة أن 12 بالمئة من الأطفال الذين يتعرضون للتنمّر خرجوا من المدرسة، بينما 16 بالمئة منهم قالوا انّهم كانوا يتحجّجون للتغيّب عن الدروس، في حين أن 17 بالمئة تراجعت علاماتهم وتأخر تطورهم الاكاديمي، مشيرة الى أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال يتأثرون نفسيا بشكل كبير، فيبتعدون عن النشاطات الاجتماعية، ويختبئون في الصف أو الحمّام في وقت "الفرصة". اذا الضرر الواقع على الاطفال قد يكون كبيرا ومؤثّرا ببناء شخصيّاتهم، لذلك سيكون من الضروري على الأهل التعاطي مع هذه المسألة بمسؤوليّة.
تؤكّد عواضة أن الجمعيّة تريد من خلال الحملة التوجّه اولا نحو الأهل، خصوصا وأن 53 بالمئة من الراشدين الذين شاركوا بالدراسة أكدوا عدم سماعهم بمصطلح "تنمّر" من قبل، مشيرة الى اننا "سنعمل على تشجيع الأطفال على التحدث عن معاناتهم، وسنساعد الاهل على تعلّم الإستماع لأطفالهم، كما أنّنا نحاول التأثير على الأطفال الذين يمارسون فعل الإذية لزملائهم، لحثّهم على تخفيف ممارساتهم". وتضيف: "تعمل الجمعيّة مع وزارة التربية والادارات المعنيّة على رسم السياسات التي تؤمن بيئة سليمة لأطفالنا في المدارس وخارجها".
لا شك أن التخفيف من هذه الآفّة يقع على عاتق الاهل، فهم معنيّون أولاً بعدم تربية أطفالهم على "الاستقواء" على الآخرين، وثانيا تمكين أطفالهم من الثقة بأنفسهم، مهما اختلفوا عن غيرهم، لناحية الشكل أو العادات أو أي اختلاف آخر. كذلك يقع على عاتق الأساتذة في المدارس عدم السكوت عن حالات التنمّر، ومعاقبة المتنمّرين لإفهامهم خطورة فعلهم.